كن طبيعيا وبدون فلتر
أن تكون طبيعيًا اليوم، هو أن تختار أن لا تُشارك في مسرحية طويلة الكل يمثل فيها دورًا لا يشبهه. وهو أيضًا أن تقرر ألا تُجيد الزوايا المثالية، ولا تُبالغ في صياغة أحاديثك، ولا تُضخّم نفسك كي تُرضي ذوقًا مشوشًا ومتقلّبًا.
وهو أيضًا أن تترك نفسك على سجيّتها، وتفعل ما تفعله لأنك تريده، ليس لأنك تُراقَب. وذلك لأنك أصبحت في زمنٍ يُقاس فيه الإنسان بما يُظهِر لا بما يشعر، وصار الصدق مجازفة، وأصبح أن تكون كما أنت قرارًا لا يمرّ دون كلفة.
فقد أصبح من الطبيعي أن تُجمل القبيح، وتُصغّر الكبير، وتُبالغ في العادي، فقط لأن العفوية لم تعد كافية لتثير الانتباه. فمن يُظهر ما في داخله ببساطة، يُتّهم بأنه ممل. ومن يتحدث بلغة غير مصقولة، يُقال عنه إنه غير مثقف. ومن لا يُشارك يومه بكل تفاصيله، كأنه لم يعِش.
لكن الطبيعي لا يُجيد التمثيل، ولا يحتاج التصفيق… فهو يضحك حين يُضحكه الشيء فعلًا، ليس لأن هناك من ينتظر ردّ فعله.
ويتحدّث بعفوية لا يعتذر عنها، ويظهر كما هو لا كما ينبغي له أن يكون. فأن تكون طبيعيًا في هذا الزمن يعني أن تُصغي لنفسك أكثر مما تصغي لتوقعاتهم. وأن تترك بعض الزوايا فوضوية، وبعض الردود غير مدروسة، وبعض الصور دون فلاتر… وتقبل ذلك برضا حقيقي.
وفكرة أن تكون شخص طبيعي لا تعني أن تكون كاملًا، بل أن تكون حقيقيًا. وأن تقول لا حين لا تريد، دون تبرير مهذّب يفكّك الموقف، ولا يُقنع أحدًا… لأن الطبيعي لا يلهث ليثبت شيئًا.
وفي هذا العالم الذي يعبد النسخة، يُكرم من يُجيد التكرار، ويُستبعد من يخرج عن النص. ومن لا يسير بنفس الوتيرة، يُنظر إليه كمتأخر. ومن لا يملك حسابًا منمقًا وصورة محسوبة… كأنه غير موجود.
فلكي تكون طبيعيًا، عليك أن تنجو من كل هذا. وأن تبقى كما أنت، حتى لو ظنّ البعض أنك بسيط أكثر مما يجب. وأن تعرف أن الأصالة لا تثير الضجيج، لكنها تترك أثرًا لا يُشبه غيرها. فأنت لا تحتاج أن تكون أفضل من أحد. ولا نسخة محسّنة من شخص لا يشبهك. يكفيك فقط أن تكون حيًّا… حقيقيًا… ثابتًا على طريقتك. وإن لم يُلفت ذلك الأنظار، لا بأس. فالصدق لا يُلفت، لكنه يُحترم.
فالبشر لا يُنسَون لأنهم كانوا استثنائيين دائمًا، بل لأنهم كانوا أنفسهم… في وقت كان فيه الجميع شيئًا آخر.