فلسفة المطرقة
عندما يحين وقتك، لا تُجامل الصدأ في المطارق،
ولا تبتسم للطرق على رأسك وكأنها من طقوس النضج.
يكفيك ما كنتَ مسمارًا تُعلَّق فوقك لوحاتُ الغياب،
ولا تكن إبرةً تخيط ما مزّقوه، فالجروح لا تُشفى بالعودة إلى من فتحها.
فدعهم يواجهون فراغ الجدار الذي كنتَ تسندهم إليه،
ودع صوتك الحديدي يُعلن أن الصبر ليس ضعفًا،
بل هدنة مؤقتة قبل الضربة الأخيرة.
فالمطرقة لا تتكلم، لكنها تُعيد للحديد كرامته،
والنار لا تعتذر حين تُعيد للذهب بريقه،
فكن أنت النتيجة لا المحاولة، والهيبة لا الانحناء.
وتعلّم أن تُخرس ضجيجهم بالفعل لا بالردّ،
وأن تُعيد ترتيب الوجوه كما يُعيد النحات شكل الصخر.
فاحترق بصمتٍ، لكن تأكد أن رمادك سيشهد أنك كنتَ من لهب.
فالمجد لا يولد من نعومة الأيام،
بل من صلابة التجربة،
ولا يُخلّد سوى من قرع الحديد بإرادةٍ لا تَصدأ.
وحين تُمسك المطرقة بيدك،
لا ترتجف، فكل ارتجافةٍ خيانةٌ للصلابة.
فاضرب بوعي، كمن يُصلح الكون لا كمن ينتقم.
فالقوة التي لا يحكمها عقل، عاصفةٌ تهدم بيتها.
واعلم أن كل ضربةٍ تُشكّل ملامحك أكثر مما تُشكّل ما أمامك.
فالمعادن تعرف أصحابها من نغمة الطرق،
والنار تميّز بين من يُلقى فيها، ومن يُولد منها.
وكن نارًا تهذّب لا حريقًا يُفني،
وكن مطرقةً تُنقذ ما تبقّى من المعنى.
واجعل لخطوتك صدى في المجرى الحديدي،
ولا تسمح للظلال أن تصوّب سهماً على قلبك،
فالمسامير التي خانتك لن تقوم بتمثيلك،
فاصنع من كل ندبةٍ مقبضًا ترفع به فخرك،
ولا تستبدل عزف المطرقة بترنيمة التسليم،
ففي عزّ الرنين تُعرف اليد الماهرة من العاجزة،
وحافظ على رتابة الضرب، فالثبات هندسة،
ولا تتراجع حين تهتز الأرض تحت قدميك،
فالإرادة لا تُقاس بقوة الضربة بل بثبات اليد.
فهي الشرارة التي تُوقظ الحديد من جموده،
ومن امتلكها، جعل الوجود يميل نحو اسمه.
