حمدًا إلهي واسع الكرم
في أقدار الله خفايا لا تدركها العقول، وتصاريف لا يحيط بها الفهم البشري، فما يبدو للعين حرمانًا قد يكون في حقيقته عطاءً، وما يُظن فقدانًا قد يكون لبنةً في بناءٍ أعظم. فكم من أمر ظنه الإنسان خيرًا فإذا به شر مستتر، وكم من بلاء حسبه كارثة فإذا به باب واسع إلى رحمةٍ لا تنقطع. فحين تتأمل في حياتك، ستجد لحظات ظننت فيها أنك ضائع، أو أنك قد فُقد منك ما لا يعوض، أو أنك مُنعت من شيء كنت تراه خلاصك الوحيد، ثم بعد حين، ينجلي الغبار وتدرك أن ما حسبته يومًا حرمانًا كان في حقيقته عين العطاء، وأن يد الله التي ظننتها قد أغلقت الأبواب، إنما كانت تمهد لك طريقًا آخر، أكثر نورًا، وأشد رحمة، وأعمق أثرًا.
لكن النفس البشرية بطبيعتها تستعجل النتائج، وتضيق ذرعًا بما لا تفهمه، وتتساءل بقلقٍ عمّا يخبئه الغيب، غير مدركة بذلك أن التدبير الإلهي أعظم من أن يُقاس بموازين اللحظة الراهنة أو بالمقاييس البشرية عامةً.
فحينما يأخذ الله منك شيئًا، فإنه في ذات اللحظة يمنحك أضعافه في صورة أخرى، فقد لا تراها الآن، لكن حين تكتمل الصورة، ستدرك أنك لم تكن يومًا في نقصان. وربما لو مُنح الإنسان ما كان يرجوه في لحظة ضعفه، لأفسد عليه مستقبله. لكن الإنسان لا يرى إلا ما بين يديه، فلا يدرك أن المنع أحيانًا هو عين العطاء، وأن الألم الذي يعتصر قلبه اليوم، هو ما سيجعل غدَه أكثر نورًا وسكينةً.
فالرضا الحقيقي ليس أن تسلّم بما يحدث وحسب، بل أن توقن أن ما يحدث هو الخير بعينه، حتى وإن كانت المقدمات لا تبشر بذلك. أليس الله هو الأعلم بحالك؟ أليس هو من يعلم ما يصلحك وما يفسدك؟ إذن فكيف يتركك للضياع؟ وكيف يمنع عنك الخير؟ إنما هو يُسيّرك نحو ما كُتب لك، ونحو ما فيه صلاحك، حتى وإن كان طريقه شائكًا في البداية، أو إن بدا لك أن الأبواب كلها قد أُغلقت في وجهك، فتلك الأبواب المغلقة ليست إلا إشارات لتسلك طريقًا آخر، ربما لم تكن لتفكر فيه لولا أن دفعتك الأقدار إليه.
ففي الحياة اختبارات كثيرة، بعضها يمر به الإنسان فلا يفهم غايته إلا بعد حين، وبعضها قد يظل غامضًا إلى أن يقابل وجه ربه، لكن الحقيقة الثابتة أن الله لا يبتلي إلا ليهذب، ولا يمنع إلا ليعوض، ولا يؤخر إلا ليجعل العطاء أكثر نضجًا وأعمق أثرًا. وما على الإنسان إلا أن يثق، وأن يطمئن، وأن يردد في كل حال: “حمدًا إلهي واسع الكرم”، وحينها فقط، سيجد السلام في قلبه، وسيرى النور حتى في أحلك الظلمات.