BlogUncategorizedالمخضرم أ. محمد التونسي… حين يصبح الإعلام مدرسة

المخضرم أ. محمد التونسي… حين يصبح الإعلام مدرسة

ليس الأستاذ القدير والإعلامي المخضرم محمد التونسي اسمًا عابرًا في هوامش الصحافة، بل مسارًا ممتدًا يشبه النهر، هادئًا في ظاهره، عميقًا في مجراه، حيث ترك أثره حيثما مرّ. وهو من أولئك الذين لم يكتفوا بممارسة الإعلام، بل أعادوا تعريفه بوصفه مسؤولية، ورؤية، وصناعة تأثير.

حيث بدأ رحلته من الحبر والورق، ومن غرف التحرير الأولى حيث تُصنع الأخبار بعرق المهنة، قبل أن تتسع الدائرة وتتبدل الأدوات. وتنقّل بين الصحافة المكتوبة، والإعلام المؤسسي، والتلفزيون، ثم الإدارة العليا للمؤسسات الإعلامية، دون أن يفقد البوصلة، المصداقية، والاتزان، واحترام عقل المتلقي.

والأستاذ محمد التونسي لم يكن أسير قالب واحد، إذ تولّى رئاسة تحرير صحف عدة، في زمن كانت فيه المعلومة المتخصصة نادرة، وأسهم في ترسيخ مفهوم الإعلام المتخصص بوصفه حاجة لا ترفًا. وحين دخل عالم الإعلام المرئي، حمل معه خبرة الصحافة العميقة، فجمع بين الصورة والفكرة، وبين السرعة والمعنى.

وفي تجربته الإدارية، برز كقائد هادئ يؤمن بأن الإعلام لا يُدار بالضوضاء، بل بالرؤية البعيدة، وبفرق عمل تُمنح الثقة قبل الأوامر. ولم يكن حضوره طاغيًا، لكنه كان مؤثرًا، حيث يترك المساحة للعمل، ويكتفي بتوجيه المسار.

وما يميّز التونسي أنه ينتمي إلى جيلٍ صنع التحول، وعاش الانتقال من زمن الورق إلى زمن الشاشة والمنصات، دون قطيعة مع القيم الأولى للمهنة. وظلّ وفيًا لفكرة أن الإعلام رسالة قبل أن يكون صناعة، ومسؤولية قبل أن يكون نفوذًا.

وقد جاء تكريمه مؤخرًا تتويجًا طبيعيًا لهذه المسيرة الثرية، في أمسية ثقافية كبيرة أقامها نادي ثقات الثقافي، بحضور نخبة من الشخصيات الإعلامية والفكرية البارزة، الذين حرصوا جميعًا على المشاركة، تقديرًا لتجربة تستحق الاحتفاء، ولسيرة مهنية صنعت أثرها بهدوء، وتركت بصمتها بصدق. وكان ذلك التكريم شهادة إجماع لا مجاملة، واعترافًا مستحقًا بمسارٍ طويل من العطاء والمسؤولية.

وهو واحد من أولئك الذين إذا ذُكرت مسيرة الإعلام السعودي والخليجي، حضر اسمه بوصفه شاهدًا ومشاركًا، لا متفرجًا. سيرة مهنية طويلة، لكنها ليست استعراضًا للمناصب، بقدر ما هي تراكم خبرة، وهدوء حكمة، ووعيٌ بأن الأثر الحقيقي لا يُصنع بالضجيج، بل بالاستمرار.

وقد اختار الأستاذ محمد التونسي، أن يكون أثره أطول من حضوره،

وأن يكتب تاريخه بهدوء العارفين،

فاستحق أن يبقى.

IMG 20251130 WA0121

مشاركة المقالة

https://tnawab.sa

الكاتب طارق محمود نواب