الخير لا يحتاج كاميرا
النية لا تتحدث. والصدق لا يلتفت ليُصفّق له الناس. فالخير، حين يكون خالصًا، لا يتوقف لالتقاط صورة، ولا يختبئ خلف تعليقٍ ممهور برموز التأثر. فهو ببساطة، شيء يُفعل لأن القلب لا يعرف غيره، وليس لأنه يليق بالمشاركة.
ففي زمنٍ أصبحت فيه الشاشات منصّة لكل شيء، بما في ذلك النوايا، ضاعت الفروق بين الفعل لوجه الله، والفعل لوجه المتابعين. وبين من يُطعم جائعًا لأنه لا يحتمل فكرة أن ينام أحدهم فارغ المعدة، ومن يفعل ذلك لأن كاميرته جاهزة، ولأن التوقيت مناسب ليبدو “إنسانيًا”.
وفي الحقيقة الفرق بين الاثنين ليس في عدد المشاهدات، بل في أثر الفعل على من أُعطي، وعلى من فعل. لأن النية، حتى وإن لم تُر، تصنع أثرًا لا يُنسى. أما التفاخر بالخير، فغالبًا ما ينتزع من الفعل روحه، ويُثقله بتساؤلات لم يكن يجب أن تكون.
فعلى أي حال الخير لا يُقاس بحجمه، بل بوزن صدقه. وقد يُنقذ إنسانًا بكلمة تُقال في السر، أكثر مما تنقذه حملة يُعاد نشرها ألف مرة. فليس كل من فعل خيرًا نوى به الخير، ولا كل من سكت كان غافلًا. وأحيانًا، الصامتون هم أكثر من يبنون، فقط لأنهم لا يشتهون التصفيق.
ولا يعني هذا أن مشاركة الخير خطأ، لكن أن نستخدم الخير كوسيلة للظهور… هذه هي المشكلة. لأنك إن قدمت معروفك بيد، وأشرت إليه بالأخرى، فقد شاركته بين الله والمتابعين. والله، لا يقبل القسمة.
فالخير الحقيقي لا يحتاج جمهورًا. بل يحتاج قلبًا لا يعرف أن يتأخر حين يرى حاجة تستحق المساعدة… ويحتاج معه نية تعرف أن الأجر الحقيقي لا يُوزّع في التعليقات، بل يُكتَب في غيبٍ لا يراه سواك وسواه.
وإن كان لا بد من الظهور، فليكن الفعل أكبر من الكادر. وإن كان لا بد من الحديث، فليكن القصد تحفيزًا لا إثباتًا. لأننا حين نفعل الخير لنُشاهَد، ننتزع الخير من جوهره، ونملأه فقط بصورة جميلة… لكنها فارغة.
فالنية لا تُصور. والمعروف، حين يكون حقيقيًا، لا يحتاج أن يُعلّق عليه أحد. يكفي أنه وصل.