٢٤ساعة
من منا لم يشعر يومًا بشيء من الغيرة أو عدم الرضا عند رؤية حياة الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي؟ لعلنا نعتقد في لحظات ضعف أن حياتهم أجمل، وأحلامهم أسهل للتحقيق، وسعادتهم أكمل. لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك. فكل إنسان، بغض النظر عن الصور والمقاطع التي ينشرها، يحمل في داخله آلامًا وصراعاتٍ لا تظهر في الصورة الكاملة التي نظن أننا نراها.
إن أحد أساسات الراحة النفسية هو إدراكنا أن حياة كل فرد تتضمن جوانب مظلمة وآلامًا خفية، وقد تكون هذه المعاناة صحية أو نفسية أو مالية أو حتى عاطفية. فلا يوجد إنسان مكتمل السعادة، وحتى أكثرهم بهجةً وأملًا يحملون في دواخلهم بعض الألم أو الشكوى،وقد يظهرون السعادة أمام الناس، لكنهم يعودون إلى مشاعرهم المتخبطة وأحلامهم المجهضة كلما اختلوا بأنفسهم.
وعندما نقارن أنفسنا بالآخرين، نتجاهل حقيقة أن هذه المقارنة غير عادلة حيث إن وسائل التواصل الاجتماعي تتيح للناس اختيار ما يعرضونه، وغالبًا ما يميلون إلى نشر اللحظات السعيدة التي تبدو براقة، بينما يتجنبون الحديث عن أوجاعهم اليومية. وبالتالي، تظل صورة الآخرين على الإنترنت خادعةً جزئيًا، ويبدو كل شيء فيها ورديًا ومثاليًا، بينما تتوارى خلف هذه الصورة جوانب من المعاناة التي لا نتخيلها.
ولعلّ من الضروري أن ندرك أن ما نراه على وسائل التواصل الاجتماعي ليس سوى مشاهد مقتطعة من حياة الآخرين. ساعة أو ساعتان من الصور والمقاطع المُعدة بعناية قد تُشعرنا بأنهم يعيشون حياة خالية من الهموم، لكننا لا نرى ما وراء الكواليس ولا نرى 22 ساعة المتبقية من يومهم التي قد تكون مليئة بالتحديات والمصاعب. فالأشخاص يعرضون ما يريدون للناس أن يرونه، ويمسكون عنهم ما لا يريدونهم أن يعرفوه، فتبقى الصورة غير مكتملة، وفيها الكثير من التمويه،
ونحن نميل إلى الاعتقاد بأن من يضحك ويبتسم أمامنا يعيش حياةً مريحة، لكن الضحك لا يعني دائمًا السعادة، فقد يكون مجرد ستار يخفي وراءه آلامًا لا يشاركها مع الآخرين وقد يكون هناك أشخاص ممن نعرفهم يظهرون لنا وجوهًا سعيدة في الاجتماعات أو اللقاءات الاجتماعية، ويضحكون بأعلى صوت، لكن داخلهم قد يكون مليئًا بالحزن والخوف وهذا الحزن قد لا يدركه أحد، وقد لا يظهر لأي شخص سوى لمن يراقب عن كثب أو يشعر بحدس تجاه هذه الأرواح التي تتقن إخفاء معاناتها.
ومن هنا تأتي أهمية التوقف عن مقارنتنا بأنفسنا مع الآخرين، لأننا في الحقيقة لا نرى من حياة الآخرين سوى ما يريدون لنا أن نراه ونحن لا نعرف عما يحدث خلف الأبواب المغلقة، ولا عن لحظات الضعف والانكسار التي يمرون بها بعيدًا عن أعين الجميع. وفي تلك اللحظات، تكون صورتهم الحقيقية مختلفة تمامًا عما يظهر لنا.
لذا علينا أن نتعلم التركيز على حياتنا الخاصة والعمل على تحسينها دون مقارنتها بأي شخص آخر فكل إنسان في هذه الحياة يخوض معركة مختلفة، ولا توجد حياة تشبه الأخرى. فالتركيز على تحقيق أهدافنا الذاتية وعيش اللحظة يجعلنا أكثر استقرارًا ورضا.
والتعاطف مع الآخرين بدلًا من النظر إلى حياتهم بنظرة حسد أو مقارنة، يجعل حياتنا نحن افضل. فقد لا ندرك أبدًا مدى الصعوبات التي يمرون بها، وقد تكون ابتسامتهم اليومية مجرد وسيلة للتكيف مع واقع مؤلم.
فالسعادة الحقيقية لا تأتي من متابعة حياة الآخرين أو مقارنة أنفسنا بهم، بل تأتي من قبول أنفسنا كما نحن، بما نحمله من نجاحات وإخفاقات، ومن سعيٍ دائم نحو الأفضل في حدود قدراتنا وظروفنا. وفي النهاية، لن يكون لنا من هذه الحياة إلا اللحظات التي نشعر فيها بالسلام الداخلي. وبدلًا من مقارنة حياتنا بحياة من حولنا، لنستثمر وقتنا في بناء حياة تمثلنا، لأن كل شخص لديه طريقته الخاصة في السعي نحو السعادة، ومسارًا مليئًا بالدروس والتجارب الخاصة.