مواقع التواصل والفوضى المعلوماتية
التقدم التكنولوجي يؤثر علينا تأثيراً عميقاً في مختلف جوانب حياتنا، حيث يعدّل نمط حياة الأفراد بشكل متزايد مع كل تطور جديد. ومع الارتفاع المستمر في استخدام الإنترنت، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي أداة أساسية للتواصل اليومي والحصول على المعلومات لملايين الأشخاص حول العالم. حيث يستخدم بعضهم هذه المنصات لأغراض الترفيه وقضاء الوقت، فيما يدرك آخرون قوة هذه الوسائل ويستخدمونها بفعالية بالغة لتحقيق أهدافهم وتوسيع نطاق تأثيرهم.
ومع الجدل المستمر حول منصات التواصل الاجتماعي والاختلاف بين إيجابياتها وسلبياتها فيما تصدره لنا، يمكن الاتفاق على أن هناك جوانب إيجابية وسلبية لكل شيء في هذا العالم. لكن فقط الأمر يتعلق بكيفية استخدامنا لهذه الأدوات التكنولوجية، فهي كما تقدم أوجه إيجابية من التواصل الاجتماعي، تقدم في الوقت ذاته تحديات تتعلق بالخصوصية والصحة النفسية والمحتوى الضار.
فاليوم أصبحنا نرى جيلا يعتمد على معلوماته من مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر أولي لهم، ومن الشائع أيضا أن يجتمع الأشخاص مع أصدقائهم ومعارفهم ومن خلال تجمعهم هذا، يتلقون وينقلون المعلومات التي رددت على مسامعهم، بينما قد تكون هذه المعلومات علمية أو تاريخية موثقة في كتب ومراجع خاصة بهم لكنهم لا يسعون لمعرفة المعلومة من مصدرها الأول. وعندما يُسأل أحدهم عن مصدر ما يقوله، يشير غالبًا إلى أنها مأخوذة من بريد إلكتروني أومن صفحة ما على احد مواقع التواصل المختلفة.
ولذلك فلم نعد في يومنا هذا نجد من يبحث عن المعلومة ويتحرى من صحتها ومصداقيتها ومصدرها الحقيقي، وبالتأكيد ينطبق هذا على من يدعي الثقافة أو من يتصدرون وسائل التواصل الاجتماعي تحت اسم المؤثرين، فتجد الفرد ينطق بكلام متواتر ومتفرق، حيث تكون جميع الأرقام والمعلومات التي يعرضها غير دقيقة. كما قد تكون هذه المعلومات ناتجة عن أفكار عابرة في ذلك الوقت، أو قد تأتي دون مصدر محدد عبر الإنترنت أو عبر صفحات غير موثقة. فيتعامل الشخص مع هذه المعلومات كمعلومات صحيحة بمجرد الإشارة إلى أنها منشورة على الإنترنت، دون أن يكون لديه رغبة في فتح نقاش بشأن مصدرها لأنه يعتبره ثقة مادام الأمر موجودا على شبكة الانترنت.
وتتجسّد فوضى المعلومات في أشكال متعددة. فالمعلومات المنقوصة، والمشوهة، والمغلوطة، وغير الدقيقة، والمتضاربة، والزائدة… كل هذه الأشكال تسهم في إثارة الفوضى، وتضاف إليها بالتأكيد عشوائية المعلومات نفسها، التي تسيطر على الساحة المعلوماتية في هذه الأيام، وخاصة في البيئة الافتراضية، حيث ينتج ذلك عن افتقار شامل إلى البيانات والمعلومات الدقيقة.
وعلى الرغم من أن الإنترنت أدخل نموذجًا إيجابيًا للتواصل والحصول على المعلومات، إلا أنه أحدث أيضًا نوعاً من الديمقراطية التي تظهر في بدايتها بأنها ديموقراطية خلاقة، لكنها في الواقع ليست كذلك على الإطلاق. ففي السنوات الأخيرة، لاحظنا زيادة وتضخماً في حالة الفوضى المعلوماتية، وهذا التضخم تفاقم بشكل كبير مع ازدياد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي وتوابعه من أدوات الذكاء الاصطناعي، ومعها تفاقمت حالة الفوضى المعلوماتية بشكل كبير وتصاعدت الأخبار المضللة والمعلومات غير الموثقة.
ولذلك أقول دائماً بأنّ الحل الوحيد لهذه الفوضى المعلوماتية هو عودة قوية للمكتبة… سواء أكانت المكاتب الإلكترونية أو حتى الورقية منها، كما يجب الاعتماد على القراءة بعيدا عن المناهج وفترة الدراسة وعدم حصرها فقط على الفصول الدراسية، وإضافة طرق جديدة تنمي من مهارات التحليل والتلخيص لدى الطلاب، والأهم من ذلك هو تعلمهم كيفية استخدام المصادر الموثوقة في أبحاثهم ومعلوماتهم كافة.