لغات الصمت
أحياناً ما يتعرض الإنسان لموجات من الصمت، وحين سؤاله عن سر هذا الصمت قد لا تجد إجابة مقنعة، وهذا الأمر الذي نعايشه ونتشارك فيه بصور عديدة، فالصمت لا يعني ان تكون خجولا او وحيدا لكنه له معاني كثيرة، ففي الفترة الأخيرة أصبح يراودني كثيرا من التساؤلات حول حالة الصمت هذه، هل الصمت عن الكلام لأن الصمت يكون أحيانا أفضل إجابة عن بعض الأسئلة، أم حين التجاهل ممن نتحدث إليه؟ أم عندما يحرجنا أحد أو يتطاول علينا بكلام غير لائق، أم عندما نتعرض لموقف يفقد العقل والتفكير؟ هل الصمت حين الشعور بأن موضوع الحديث المطروح ليس لنا به أي معرفة، أم حين نحاور شخصا لا يستحق منا الاحترام لأنه لا يفقه الكلام؟ هل نصمت حين نجد أن ما تشعر به أكبر من أن نعبر عنه بالكلام، أم عندما يطرح موضوع ولا نجد ما نقوله؟ هل نضطر للصمت حين نحاور أناسا نفوقهم بخبرتنا سنين كثيرة، أم حين تعرف أن الصمت يفرح آخرين، أم حتى لا ينظر إلينا على أننا متملقين؟
فكما نعلم أن كثرة الكلام تزيد الزلات وبكثرة الصمت تكون الهيبة، نعم إن كثرة الكلام تزيد من الزلات، وهي دليل اكيد على ضعف العقل وهشاشة الشخصية والفراغ لدى كثيرين الكلام، خصوصا أننا أصبحنا نجد كثيرين يتحدثون في كل شئون الحياة، ويجادلون في كل شيء بهدف الجدال وإثبات الذات فقط، فمن دون إدراك الواحد منهم أن المحيطين به واعون تماما لمثل هذا السلوك واصبحوا يدركون غاياته وأهدافه. وحين الأخذ بمقولة “إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”، فهذه ليست بدعوة منا إلى الانطوائية وعدم مشاركة الإنسان منا المحيطين به فيما هم فيه، ولا يجاوب على من يسأله، حتى لا يتم النظر إليه على أنه فاشل أو فارغ أو حتى متكبر. باختصار، يحتاج الصمت إلى توازن بين طرفيها يجب أن يتحقق في هذه المعادلة وهو متى نصمت ومتى نتكلم؟ وتطبيق هذه المعادلة على أرض الواقع يتطلب تدريب العقل والنفس على تنفيذها.
وتبقى لنا الكلمة إذا كان كلامك لا يفيد، فسكوتك أفضل لأن الصمت أبلغ لغات الكلام، لأن التفاعل المستمر مع الناس والتحدث يؤثر عليك عقليا وجسديا وعليهم أيضا.
وفي الصمت مزايا عديدة قادرة على تغيير حياتك بشكل إيجابي، فالصمت يجعلك تبدو اكثر قوة ويجعلك تصبح اقوى فحينما تكون صامتا قد يشعر الاخرون بعدم الارتياح، وغالبا ما يشعرون بانهم مضطرون لملئ هذا الصمت، بذلك يكشفون المزيد عن انفسهم، ثانياً سوف تتعلم قراءه الناس، فالصمت طريقه أخرى لمراقبه الاخرين وتصرفاتهم، وهذا قد يسمح لك بمعرفة ما اذا كان هذا الشخص يقول الحقيقة ام لا من خلال لغة جسده وايضا طريقته التي يتحدث بها، و ثالثاً لمجرد خروج الكلمات فأنت غير قادر على استعادتها، فاختر الصمت بدلا من التعبير عن مشاعر الغضب والاستياء اللحظية والتي قد تكون مؤذيه، وحين تشعر بالحاجة الى قول شيء غير لطيف خذ نفسا عميقا وفكر في العواقب المحتملة لكلماتك وتذكر ان الكلمة مثل الرصاصة اذا انطلقت لا يمكنك اعادتها، رابعاً ستكون مستمعاً رائعاً وسيفضل الناس التحدث اليك، فهناك وقت اخر يكون من الافضل فيه التزامك للصمت، خصوصاً عندما يشاركك شخص ما قصه ذات مغزى، حينها دع الصديق او الشخص يشعر بانه مسموع من خلال ايماءاتك الصامتة والتواصل البصري الصادق. ومن الفوائد العديدة للصمت إنه اداه تفاوض رائعة، حيث يمكن ان يكون الصمت افضل صديق لك اثناء المفاوضات، فمثلا قل شيئا ثم اغلق فمك ودع الشخص الاخر يتوصل الى استنتاجاته الخاصة، فإن صمتك يظهر انك واثق مما قلته للتو وانك تحترم الشخص الاخر بما يكفي لسماع ما يقوله.
إن الصمت يعزز الابداع وعلى الرغم من ان الابداع يمكن ان ينبع من مصادر خارجيه فان العملية الإبداعية ستتبلور دائما داخل عقلك، وعلى هذا النحو فإن كونك وحيدا وفي صمت سيساعدك على الانخراط اكثر في عمق عقلك بالإضافة الى إزاله عوامل التشتيت المحتملة التي قد تعيق عمليتك الإبداعية وسيسمح لك ذلك تركيز كل انتباهك لما تعمل عليه وسوف يكون لديك افكار ومشاعر اعمق اذا وجدت نفسك تبتعد كثيرا عن عملك او تشعر بان افكارك قد نفدت فقد يكون الانتقال الى بيئة هادئة وصامته هو الحل.
و في الختام فان الصمت والفوائد التي يمكن ان تجذبها لحياتك يتم التقليل من شانها الى حد ما، بصفتنا كائنات اجتماعيه فإننا نميل الى المبالغة في تقدير مزايا المشاركة المستمرة في المجتمع مما يجعل من الطبيعي بالنسبة لنا ان ننسى منح انفسنا الوقت بمفردها، لكن ممارسه الصمت ستمنح جسدك وعقلك استراحة تشتد الحاجه اليها بعيدا عن كل ضجيج ومعلومات العالم الخارجي ويسمح لك بالتركيز فقط على نفسك.
https://alnukhba.org.sa/#/articlesDetails/81