BlogUncategorizedكل وقت وله أذان

كل وقت وله أذان

نحن في عالمٍ سريع ومتطور خصوصاً في التكنولوجيا، فالحياة تبدو وكأنها سباقٌ لا نهائيّ بين الأجيال، حيث يُركز الضوء غالبًا على الشباب والقدرات الجديدة. وفي ذلك كثير ما يأتي في ذهني، هل حقًا شباب الجيل الحالي هم الأكثر ذكاءً وفعالية؟ أم نحن الكبار، بتجاربنا وإدراكاتنا العميقة، الأكثر حكمةً وذكاءً؟

مقارنة لا يمكننا مناقشتها لأن العقل البشري، وبغض النظر عن العمر، يمتلك القدرة على التطور والنمو. والحكمة التي يكتسبها مع مرور الزمن والتي تعكس تحولًا نحو فهم أعمق وأكثر شمولية للعالم والمجتمع هي مصدر الإلهام والإرشاد للأجيال الناشئة، الذين يمكنهم أن يستفيدوا من تلك الحكمة لاتخاذ قراراتهم وتحقيق نجاحاتهم في مساراتهم الشخصية والمهنية.

فنحن نعلم أن الذكاء يكمن في القدرة على فهم الأمور بعمق وتقدير المواقف التي تحيط بنا، وفي ذلك، يبرز دور الأجيال التي تسبق الجيل الحالي. فالجيل الحالي، بالرغم من سرعته وتقنياته المتقدمة، يختلف عن أسلافه في الطريقة التي يتعامل بها مع التحديات. فنحن قد نكون أبطأ في التفاعل، ولكن هذا البطء قد يجسد ذكاءً أعمق وتفكيرًا أكثر تفاعلية، حيث نعتمد على تجاربنا السابقة لاتخاذ القرارات الحاسمة.

والفرق الجوهري بين الجيل الحالي وجيلنا نحن أننا كنا أبطأ وأكثر تأنياً في اتخاذ قرارتنا حتى وإن كانت قرارات وردود بسيطة ولكننا كنا نؤمن بأن كلما كنا أبطأ كان الرد أذكى والفعل أعمق وأقوى. وهذا ما كان يجعلنا في سن صغير لكن كانت تصرفاتنا تفوق أعمارنا، فكنا صغار سناً لكن رجال مواقف.

فبما عشناه كنا شهوداً على تطوّر العالم، وبذلك لنا في الحياة خبرة لا تُقدّر بثمن… والخبرة هي تلك الأداة التي تمنح الفرد القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة وفهم السياقات بشكل أعمق، مما يمكّنه من التصرف بحكمة وتفهم شامل للتحديات التي يواجهها.

فعادةً ما يكون الشباب معروفًا بحماسه وقدرته على التكيف مع التقنيات الحديثة، وهذا لا شكَّ فيه أمرٌ إيجابي، ولكن نحن نتمتع بميزات لا تقل أهمية. إذ نملك شبكةً واسعة من العلاقات الاجتماعية والمهنية، ولدينا القدرة على استخدام هذه الشبكات لتحقيق النجاح والتأثير في مجالات متعددة.

كما أنَّني وجيلي غالبًا ما نتمتع بمهارات اتصال فعّالة وقدرة على حل المشاكل بطرق مبتكرة، نتيجة لتجاربنا العميقة ومعرفتنا الواسعة بالعالم والثقافات المختلفة. وهذا يضعنا في مكانةٍ متقدمةٍ عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات الحاسمة وتوجيه الأجيال الجديدة نحو طريق النجاح والتميز.

فلما لا يُرى الكبار بعيونٍ جديدة، كأصحاب للحكمة والتجارب الثمينة، وعلى الرغم من أننا قد نكون “أبطأ” في بعض الأحيان، إلا أننا في الحقيقة “أقدم” بالخبرات التي يمكن أن تحدث فرقًا حقيقيًا في مسارات الحياة.

ومع ذلك فالذكاء ليس مقياسًا للسن أو الشباب، بل هو صفةٌ تتجسّد في تفكير الشخص واستخدامه لما تعلمه على مدى السنوات. ومن هنا، يأتي الاعتراف بأن الكبار قد يكونون في الحقيقة “الأذكى”، لأنهم يمتلكون القدرة على رؤية الصورة بشكل أوسع وأعمق، وعلى صياغة الرؤى المستقبلية بطرق تتجاوز حدود الفصول الدراسية والبرامج التعليمية.

وفي النهاية، يبقى الاحترام واجباً، والتعلم من تجاربنا فرصةٌ لا تُعوَّض، تمنح كل من تلى جيلنا فرصةً لاكتساب الحكمة وتوجيهنا نحو مستقبلٍ أكثر إشراقًا وتفاؤلًا. فنحن لسنا فقط “أبطأ” من الجيل الحالي، بل نحن بالتأكيد “أذكى” بفضل تراكم ثروتنا العقلية التي تكونت على مر أجيال من الحكمة والتجربة.

 

 

 

 

مشاركة المقالة

https://tnawab.sa

الكاتب طارق محمود نواب