غاوي مشاكل
بعض الناس يُولدون والمشكلة تسبقهم بخطوة. فلا يمشون في طريق إلا وكان خلفهم أثر من صراخ أو سوء تفاهم أو خلافٍ لا معنى له. ولا تلتقي بهم صدفةً إلا وتفاجأ أن الأجواء تغيّرت، كأنهم يحملون غيمة من التوتر فوق رؤوسهم، أينما حلّت أمطرت سوء ظن ونزاعًا وتوترًا مجّانيًا.
فهم لا يرونها مشكلة، بل يرونها مواقف يرووها بفخر، وكأن عدد الخصومات في اليوم الواحد يُحتسب إنجازًا. فهو شخص لا يرى العالم إلا وكأنه يستعد لمعركة.
ولا يدخلون المواقف لمجرد الفضول أو لمناقشة حوار، بل يدخلون وهم يرتدون درع الاستحقاق الكامل… فيرون أنفسهم الأفضل، والأجدر، والأهم، والأحق، والبقية مجرد عوائق مؤقتة عليهم تجاوزها. فإذا تكلّم أحد قبلهم، شعروا بالإهانة، وإذا تأخّر دورهم، اعتبروها مؤامرة. ففي رؤوسهم معركة دائمة لا تهدأ، وفي قلوبهم ضجيج لا يصمت.
لكنهم لا يشتبكون مع الآخرين إلا لأنهم لم يتصالحوا مع أنفسهم، ولأن كل توتر داخلي يبحث عن مسرح يُعرض عليه، وكل اضطراب يبحث عن مرآة يُرى فيها. وحين لا يكونون في سلام داخلي، يرون في الناس خصومًا، لا شركاء. فكل شخص يقابلونه يصبح مشروع تهديد، وكل اختلاف رأي يُقرأ كعدوان. وهذا ليس لأنهم سيئون بطبعهم، بل لأنهم لم يراجعوا أنفسهم يومًا، ولم يسألوا لماذا ندخل كل هذه المعارك ولا نهدأ؟
فلا أحد يُولد مشكلجيًا. ولكن البعض يكبرون دون أن يتعلموا أن القوة الحقيقية لا تظهر في الصوت العالي، ولا في كثرة الخلافات، بل في القدرة على اختيار المعارك. وفي أن يعرفوا متى يصمتون، ومتى يتكلمون، ومتى يتركون المسألة تمر لأن الحياة ليست مضمار سباق، وليست كل لحظة فرصة لإثبات الذات.
فالناس ليست مسؤولة عن ترتيب داخلهم. ولا أحد ملزم أن يتحمّلهم لأنهم “هكذا هم”. فالعالم لا يدور حولهم، ولا كل خلاف ظلم لهم، ولا كل تأخير تجاهل لهم. ففي بعض الأحيان، ما يحتاجونه ليس أن يربحوا النقاش، بل أن يراجعوا أنفسهم. لأنهم إذا تصالحوا مع ذواتهم، لا يفتعلون مع الآخرين ما لا ضرورة له. والسلام مع النفس، لا يُصنع بالصراخ، بل بالهدوء.