عفواً فقد نفذ رصيدكم
هناك الكثير من التفاصيل المعقدة وراء قطع العلاقات بين الأشخاص كأنما يُرتكز ذلك على تبادل رصيد نفسي غير مرئي. فهل هناك أسباب مُحددة تبرر ذلك القطع المفاجئ؟ أو هل هو نتيجة لتبادلات داخلية متعددة، تتضمن تعاملاتنا المتقنة والتي تُعزز من رصيد الآخرين لدينا؟
إن كل علاقة من علاقاتنا تنمو على مبدأ الثقة والاحترام المتبادل، وينعكس ذلك في رصيد العلاقة. فإذا كان هناك تعامل راقٍ ومحترم، يزداد ذلك الرصيد ويصبح أضعاف مضاعفة. ومع ذلك، فإن التصرفات الغير لائقة دائماً ما تقلل من ذلك الرصيد بلا رجعة، حيث يُستنزف الاحترام والمودة دون أن يُدرك الطرف الآخر ذلك.
والحقيقة البسيطة التي لا يدركها الكثيرون أن العلاقات لا تزول فجأة، بل تتلاشى ببطء تحت وطأة استنزاف الرصيد المشترك، وتبقى الفرصة لإعادة شحن الرصيد في حالات نادرة، حيث نغفر لأخطاء الآخرين ونعيد بناء الثقة تدريجيًا. ومع ذلك، إذا عاد الشخص مرة أخرى ليكرر التمادي، فإنه يُعرّض نفسه لخطر فقدان العلاقة بشكل دائم.
فجملة “عفواً لقد نفذ رصيدكم” جمله شهيرة ينتهى بها رصيدك من المكالمات… لكني وجدت أيضاً ينتهي بها رصيدك من المشاعر وقدرتك على الاحتمال، فقد نفذ رصيدنا مما نراه ونستقبله، فانظروا معي في وجوه الناس لتعرفوا أننا جميعًا، وبدون استثناء، نحمل على أكتافنا أعباء ثقيلة، فقد نفذ رصيد الفرح في أرواحنا، وأصبحت بواعث الهمّة والإلهام التي كانت تنبعث منا مبهمة وباهتة.
فكلما زادت تجاربنا في الحياة تضاءلت دائرة علاقاتنا وازدادت عقولنا إدراكاً وحكمةً، وذلك ليس تكبراً، بل لأن التجارب تنمي فينا معايير دقيقة لاختيار الأشخاص والتعامل معهم. فرصيد المشاعر، مثله مثل رصيد الهاتف أو البنك، يُمثل مخزوناً نستثمره بالود، والاهتمام، والثقة، ونبنيه بالوفاء بالوعود والنزاهة الشخصية. فهذا الرصيد ليس مجرد مجموعة من الأفعال والأقوال، بل هو رصيد من الثقة تودعه عند الآخرين، فتجد نفسك تعتمد عليه في الأوقات الصعبة والسهلة على حد سواء.
وفي مقابل ذلك، يتعين علينا أن ندرك أن استمرار السحب من هذا الرصيد و الاستخفاف بمشاعر الآخرين، وعدم الاهتمام بما يهمهم، يؤدي في النهاية إلى هدم هذا الرصيد تدريجياً. بالإضافة إلى أن السلوكيات السلبية مثل عدم الاحترام وتوجيه اللوم دائماً تجاه الآخر، تفقدنا مصداقيتنا وتخترق جدار الثقة الذي بنيناه،
فإدارة بنك المشاعر تتطلب اهتماماً مستمراً واستثماراً نابعاً من القلب، حيث يتم تعزيز الاتصال الفعال والسلس مع الآخرين والحفاظ على ما به من رصيد. وبدون هذه الاستثمارات التي تزيد من حجم الايداعات التي تم وضعها، تتلاشى العلاقات وتتعرض للفشل، حيث يصبح الاتصال بطيئاً ومعقداً وغير فعال.
ولذلك، نقول دائماً بأنه يجب احترام مشاعر الآخرين والحفاظ عليها كما نحترم ارصدتنا ونحافظ عليها. فهي الطريقة الوحيدة للحفاظ على علاقاتنا وجعلها متينة ومثمرة في كل جانب من جوانب حياتنا الاجتماعية والشخصية.
وفي نهاية المطاف، تبقى العلاقات الحقيقية هشة ومتأرجحة، تتأثر بكيفية تعاملنا وتصرفاتنا اليومية. فلا يكفي الوقت وحده لإبقاء علاقة قوية، بل يجب أن نعمل بجد لزيادة رصيدنا من المودة، الرحمة، والاحترام، حتى تبقى علاقاتنا متينة ودائمة في وجه التحديات المتغيرة للحياة اليومية. فقد يكون الحل في إعادة الاتصال بأنفسنا وبمن حولنا، لنعيد بناء رصيد الفرح والأمل الذي يعيد إلينا بواعث الهمة والطاقة لنواجه التحديات بكل إيجابية وثقة.