شتان بين المدير التقليدي والناجح
لم يعد العالم الحديث يقبل بالإدارة التي تعتمد على لغة الأرقام الباردة، تلك اللغة التي تُقيّم الموظفين بناءً على ما يحققونه من مبيعات أو ما يقضونه من ساعات عمل دون النظر إلى أبعادهم الإنسانية. لقد انتهى ذلك العصر الذي كانت فيه الأرقام المعيار الوحيد للجدارة والاستحقاق. فاليوم، أصبح من الضروري أن تتحول الإدارة إلى ممارسة تجمع بين الأداء الفعلي والمشاعر الإنسانية، لأنها الطريقة الوحيدة لتحقيق النجاح الحقيقي والمستدام.
وفي الواقع، الإدارة بالأرقام فقط تختزل العلاقة بين المدير وفريقه في معادلة جافة، تخلو من أي تفهم للظروف الشخصية أو التعقيدات النفسية التي قد تواجه الأفراد و على سبيل المثال، عندما يلاحظ المدير تراجع أداء أحد موظفيه، فإن الرد التقليدي القائم على التوبيخ أو إصدار الإنذارات لم يعد كافيًا أو مجديًا وهنا يأتي الفرق الجوهري بين المدير التقليدي والمدير الناجح. فالأول يكتفي بالحكم السطحي، بينما الثاني يتساءل: لماذا تراجع الأداء؟ ما الذي تغيّر في حياة الموظف؟ وكيف يمكنني مساعدته لاستعادة حيويته ومساهمته الفعّالة في العمل؟
ومن هذا المنطلق، تظهر أهمية الإدارة القائمة على الإنصات والتفهم. فبدلًا من إصدار الأحكام السريعة، ينبغي للمدير أن يفتح باب الحوار، ويبحث عن الأسباب الحقيقية وراء أي خلل. فقد يكون السبب ضغوطًا نفسية، أو تحديات عائلية، أو حتى احتياجًا إلى تدريب إضافي. فعندما يُظهر المدير تعاطفه وتفهمه، فإنه يخلق بيئة عمل داعمة تُساعد الموظف في تجاوز العقبات والعودة بقوة إلى الأداء المتميز.
وعلاوة على ذلك، فإن الإدارة بالأداء تتطلب أن يدرك المدير أن النجاح الجماعي لا يتحقق إلا من خلال استثمار حقيقي في فريق العمل. وهذا الاستثمار لا يعني فقط توفير التدريب والموارد، بل يشمل أيضًا بناء الثقة وإظهار الاحترام والتقدير. وعلى سبيل المثال، عندما يشعر الموظفون بأن جهودهم تُقدّر وأنهم ليسوا مجرد أرقام في قائمة، فإن ذلك يحفزهم لتقديم أفضل ما لديهم، ليس فقط لتحقيق الأهداف، بل لإثبات جدارتهم في بيئة تحترم إنسانيتهم.
ومن الجدير بالذكر أن نجاح الفريق هو انعكاس مباشر لسلوك المدير. فالمدير الذي يُدير بفهم وتعاطف سيجد فريقًا متماسكًا ومتحمسًا، بينما المدير الذي يعتمد على الأوامر الجافة والإجراءات العقابية سيواجه فريقًا مفككًا وأداءً ضعيفًا. والعلاقة هنا واضحة، كلما كان المدير قريبًا من فريقه ومهتمًا بمشاعرهم وأدائهم، كانت النتائج أفضل وأكثر استدامة
فالإدارة الحديثة تتطلب توازنًا دقيقًا بين النتائج واحترام مشاعر الآخرين. فهي ليست مجرد أرقام تُسجل في التقارير، بل هي عملية مستمرة لبناء العلاقات وتعزيز الثقة داخل الفريق. فعندما ينجح المدير في إظهار دعمه وإنصافه، يصبح الفريق أكثر ولاءً وانتماءً، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج استثنائية تفوق التوقعات.
فالإدارة لم تعد مجرد عملية رقمية، بل هي فن يتطلب دمج العقل والعاطفة في آنٍ واحد. والمدير الذي يدرك ذلك ويعمل على تحقيق هذا التوازن سيجد أن فريقه لا يُحقق النجاح فقط، بل يُلهمه أيضًا ليكون قائدًا أفضل. وعليه، فإن بناء بيئة عمل قائمة على الأداء والمشاعر معًا هو السبيل الوحيد لتحقيق الإنجازات الحقيقية والمستدامة.