BlogUncategorizedساحة حرب

ساحة حرب

اهدأ، فأنت لست في ساحة حرب، ولن يغير قلقك شيئًا مما هو مقدّر لك، ولن يضيف التوتر إلى يومك إلا مزيدًا من الأعباء التي لا داعي لها. فالحياة ليست معركة عليك أن تنتصر فيها بكل قوتك، وليست ساحة يجب أن تثبت فيها جدارتك طوال الوقت، بل هي رحلة تحتاج أن تعيشها بروح هادئة وعقل متزن. فلا بأس إن لم يكن كل شيء تحت سيطرتك، ولا بأس إن لم تسر الأمور كما تخطط لها دائمًا، فبعض الفوضى ضرورية لتذكيرك بأنك إنسان، وأنك لست مطالبًا بإتقان كل شيء أو التحكم في كل تفصيل من تفاصيل حياتك.

في كثير من الأحيان، نجد أنفسنا غارقين في التفكير المفرط، نبحث عن حلول لمشاكل لم تحدث بعد، ونفتش في الماضي عن لحظات نتمنى لو كنا تصرفنا فيها بطريقة مختلفة. لكن، هل فكرت يومًا في جدوى ذلك؟ هل استطعت يومًا أن تعيد لحظة واحدة لمجرد أنك ندمت عليها؟ بالتأكيد لا لذلك توقف عن تحميل نفسك فوق طاقتها، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فلماذا تفعل ذلك بنفسك؟ لماذا تصرّ على أن تحمل همومًا لم تُكتب لك، وتخوض معارك ليست معاركك؟ أليس من الأجدر أن تهدأ قليلًا، وأن تمنح روحك استراحة من هذا الصخب، إلى جانب أن تدرك أن الحياة تمضي سواءً أقلقت بشأنها أم لم تفعل، وأنك في النهاية لن تحصل إلا على ما هو مقدر لك؟

فلا تندم على لحظة عشتها، حتى وإن كانت مؤلمة، لأن كل ما مررت به كان جزءًا من رحلتك، وكل ما شعرت به ساهم في تشكيل الشخص الذي أنت عليه الآن. فالأيام الجيدة تمنحك السعادة، فتملأ قلبك بالطمأنينة وتمنحك ذكريات تدفئك في أوقاتك الصعبة؛ بينما الأيام السيئة تعلمك الصبر وتصقلك، وتكشف لك عن جوانب من قوتك لم تكن تدركها من قبل وقد تظن أن بعض الأوقات التي عشتها كانت أسوأ ما مررت به، لكن تأمل قليلًا، ألم تخرج منها أكثر وعيًا؟ ألم تتعلم درسًا لم تكن لتتعلمه بطريقة أخرى؟ وهي ليست كل العواصف جاءت لتدمرك، بعضها جاء لينظف طريقك من أشياء لم تكن تناسبك، وبعضها جاء ليكشف لك حقيقة من حولك، وبعضها أيضًا جاء ليجعلك أقوى مما كنت تتخيل.

إن الحياة لا تنتظر أحدًا، فهي تمضي سواءً كنت سعيدًا أم حزينًا، متفائلًا أم قلقًا، مستمتعًا بكل لحظة أم منشغلًا بندمك على ما مضى. والفرق الوحيد هو أنك حين تختار الهدوء والتقبل، فإنك تمنح نفسك فرصة للاستمتاع بكل ما تملكه الآن، بدلًا من أن تضيّع وقتك في الحسرة على ما فقدته أو القلق مما لم يحدث بعد. لذا، نصيحتي لك، ألا تجعل مخاوفك تقيدك، ولا تدع القلق يسرق منك متعة اللحظة، ولا تسمح للندم أن يحرمك من الاستمتاع بما بين يديك. حتى في الأوقات التي تظن أنها الأسوأ، هناك شيء جميل ينتظرك إن قررت أن تراه.

فقط اهدأ، وخذ نفسًا عميقًا، وانظر إلى الحياة بعين مختلفة. أنت لست في ساحة حرب، ولا أحد يطلب منك أن تكون مثاليًا طوال الوقت. ويكفيك في ذلك أن تكون إنسانًا يتعلم، وينمو، ويخطئ، ويصحح، ويعيش بكل ما في هذه الحياة من تناقضات وجمال وخبرات تستحق أن تُعاش.

IMG 20250208 WA0046

مشاركة المقالة

https://tnawab.sa

الكاتب طارق محمود نواب