BlogUncategorizedرمضان مهلًا لا ترحل

رمضان مهلًا لا ترحل

يمضي الزمن بنا، وتتعاقب الأيام، ويتغير كل شيء حولنا، لكن هناك لحظات تبقى ثابتة ومحفورة في الذاكرة، تحمل معها دفئًا خاصًا، ورونقًا لا يشبه غيره. إنه ذاك الزائر الذي ننتظره بشوق كل عام، نتسابق لنُحسن استقباله، ونتأمل خيره، ونتهيأ له كما يتهيأ العاشق للقاء محبوبه بعد طول غياب. إنه شهر رمضان، الذي لا يشبه غيره، فيأتي محمّلًا بالرحمة، ومغلّفًا بالمغفرة، ومصحوبًا بأنفاس التغيير ليفتح أبواب السماء لمن طرق، ويمدّ يده لكل من أراد العودة، ويعيد ترتيب أرواحنا، كما يعيد النور لمدينة طمسها الغبار.

فحين تُنسل خيوط الفجر الأولى، وتعلن الشمس بداية أيامه، نشعر وكأن الكون قد غسل وجهه بماء الطهر، وكأن العالم كله يتنفس بنبض مختلف.

وحتى القلوب التي أثقلها الحزن، والأرواح التي أرهقتها الحياة، تجد فيه ملاذًا يشبه دفء الأوطان. فرمضان ليس مجرد شهر نصوم فيه عن الطعام والشراب، بل مساحة نتخفف فيها من أعباء النفس، ونراجع حساباتنا، ونعيد ترتيب دواخلنا، لنبحث عن ذلك الجزء المنسي فينا، والذي ضاع بين صخب الحياة.

إنه فرصة، لكن ليست ككل الفرص، وهو باب يُفتح مرة في العام، لمن أراد أن يعبر، ولمن أراد أن يغير في نفسه شيئًا، ولمن أدرك أن العمر يمضي، وأن الأوقات لا تعود. ففي لياليه، حيث السكون يلفّ الأرض، والقلوب ترتفع نحو السماء، وهناك حيث تختبئ الدعوات، وتُسكب الأمنيات حيث الدمع الصادق يُغسل به ما تراكم من أوجاع، وحيث تلتقي النفس مع ذاتها بعيدًا عن كل ضجيج.

فيعلمنا رمضان أن الحياة ليست سباقًا محمومًا، ولا صراعًا لا ينتهي، بل هي لحظات نعيشها بصدق، ونمنح فيها من حولنا الحب بلا انتظار مقابل، ونغفر الأخطاء، ونتسامى فوق الصغائر لنتخفف من كل ما يثقل أرواحنا، ونمضي بقلب أنقى يعلمنا الصبر، لا صبر الجائع عن الطعام، بل الصبر على الأقدار، وعلى الناس، وعلى الحياة بما فيها، ويعلمنا أيضًا أن الخير كالماء، لا بد أن يجد طريقه، وأن النور وإن تأخر، سيأتي.

ومع اقتراب لحظاته الأخيرة، نشعر وكأننا نودّع صديقًا عزيزًا، نشعر بحنينه قبل أن يرحل، ونعد أنفسنا أن نبقى كما كنّا فيه، وأن نحمل أثره معنا ليكون نقطة تحول، لا محطة عبور. لكن، هل نفعل؟ هل نتركه يمضي دون أن يترك فينا بصمة؟ أم أننا سنعود كما كنّا قبل مجيئه؟ فالسؤال الحقيقي ليس ماذا فعل رمضان بنا، بل ماذا فعلنا نحن بأنفسنا في رمضان؟ وهل سنكون بعده كما كنّا قبله، أم أننا أخيرًا فهمنا الدرس؟

IMG 20250306 WA0022

مشاركة المقالة

https://tnawab.sa

الكاتب طارق محمود نواب