حياة بنكهة الحروف
الحياة لا تعرف توقفًا… فهي رحلة لا تنتهي، مليئة بأفراح وأحزان تتلاقى وتتجانس في مساراتنا. نحياها بحلوها ومرها، تارة تنصفنا وتارة تصفعنا، فهي مغامرة لا تنتهي، تغرقنا أحيانًا في سكينة، وترسم علينا بألوان المأساة أحيانًا أخرى. نعيشها بكل ما فيها من حلاوة ومرارة، تأتي بخيبات أمل تجعلنا نظن أن النهاية قد حلت، فتواجهنا أفكارنا السعيدة والحزينة، وتتعامل معها مشاعرنا المتقلبة بين الأمل والاكتئاب، وفي لحظات نجد أنفسنا وحيدين، وحينما يغيب المشاركون في همومنا وتتعارض الأفكار السعيدة مع الحزينة، هنا يكون القلم والورقة هما الرفيقان الوفيان.
ففي لحظات الضيق، نتوارى بين مسكة القلم واحتضان الدفتر، تتشكل الحروف كالأوراق مبللة بدموعنا، وتترسم الكلمات بأحاسيس تتباين ما بين اليأس والأمل، فالكتابة ليست مجرد سطور على الورق، بل هي منارة تنير لنا الطريق في أحلك الليالي. فتُنثر الكلمات كأنها قطرات مطر تروي أرض قاحلة، وتمنحنا القوة لنواجه الضغوطات ونستعيد التوازن في أرواحنا.
فالكتابة تعبيرًا فعالًا عن مكبوتات القلب، فيها تنسجم الحروف والكلمات لتعزف لحن الحياة، تنقل مشاعرنا الداخلية التي يصعب التعبير عنها بالقول، فتكون ورقة الكتابة بمثابة شريك مخلص، تستمع وتفهم دون أن تشكو أو تمل، تخلّصنا من عبء السلبية وترفع معنوياتنا لنعود إلى حياتنا بروح متجددة واستعداد لمواجهة التحديات.
فالكتابة سفينة تبحر بنا في بحر الأمل، تقربنا من النور الذي نتوق إليه في أصعب الأوقات، وتساعدنا على تحمل ضغوطات الحياة اليومية. بينما نمضي في رحلة الحياة، يبقى الإيمان بالأهداف هو البوصلة التي توجهنا نحو السلام الداخلي والنجاح الحقيقي.
فالكلمات تعبير عن ما لا يستطيع اللسان إيصاله، والورقة تبقى صامتة مستمعة، تستوعب أحاسيسنا بكل دفء وتعاطف… وحينما ننهي ما كتبنا، ندرك أن كل ما مررنا به لم يكن إلا زخات من ضغوط الحياة، وأن الكتابة كانت الطريقة الأنسب لتحملها والتغلب عليها.
فنحن نكتب في جميع حالاتنا من فرح وسعادة او الغضب والبؤس…وليس مهماً في ذلك ما نكتبه وما هو تقيمنا له ولجودته، فالأهم من ذلك هو التخلص من الطاقة السلبية عبر الكتابة عما تخطه أيدينا حينها يتملكك إحساس أن كل أوجاعك تخرج من بين أصابعك حتى ولو لم ترى النور ولو لم تشاطر أحدا.
إن تناغم الكلمات وجماليتها لا يقتصران على إبداع الصور البلاغية وسردها، بل يتعدى ذلك ليصبحوا أداة لترجمة الشعور الإنساني بمختلف ألوانه. إذ تتحول الصفحة الفارغة إلى شاشة تعبيرية، تسرد لها الأفكار والمشاعر دون قيد أو شرط. ليست الكتابة مجرد حب أو إبداع بل هي صديق يفهمك دون أن تحتاج للكلام، يقدم لك المساحة الآمنة لتكون نفسك بلا حدود أو تقييد.
فنحن نكتب ليست لمجرد حب الكتابة، كما أنها لا تقتصر على القدرة في إبداع الصور البلاغية ولا سرد المواضيع المختلفة ولا هدفها امتاع للقارئ، بل إنها الصديق الأوفى والاقرب عند الضيق أو الألم. فبمجرد طقطقة على جهاز الحاسوب وتعبير عن مشاعر ثم مسح للصفحة كأن شيء لم يكن، فكتابتك هي الأوفى بعيداً عن بشر يعتقدون بأن حديثك وشكواك لهم ما هو إلا ضعف منك وغالباً في ذلك يشفقون عليك.
والجميل في الكتابة أنها تصبح أحياناً حالة مبادلة فمرة تكتب شعورك ومـرة تجد نفسك بين حـروف شخص لا تعرفه، فهي لا ترد الغائبين فقط، بل تقرب الغرباء في زمن انقرض فيه القريبين.
فلما لا تتخذ من الكتابة صديقاً يتحملنا في كل حالاتنا، يشاركنا الاحزان قبل أن يشاركنا الأفراح… لما لا نستمر في كتابة مشاعرنا بكل أشكالها، فهي ليست مجرد كلمات عابرة على الورق، بل هي دواء ناجح يعالج الألم ويجلب الأمل، وقارب يساعدنا على عبور الأمواج العاتية في رحلة الحياة.