انت لست محور الكون
يظن بعض الناس أنهم محور الكون، يتصرفون ويظنون أن كل الأنظار تتجه نحوهم، وأن كل من حولهم يراقبهم، ويقيّمهم، أو يتحدث عنهم. فهذه الفكرة، رغم أنها تبدو شائعة في بعض المواقف، إلا أنها في الحقيقة مضللة ومتعبة. فالواقع أبسط من ذلك… أنت لست محور الكون، وأنا كذلك، وكلنا بشر عاديون. فلا أحد يعيش في فلكك سوى أنت، ولا أحد يملك الوقت أو الاهتمام الكافي ليكرّسه بالكامل لمراقبة تفاصيل حياتك.
ومن الطبيعي أن يشعر الإنسان أحيانًا بأنه تحت المجهر، خاصة في لحظات التوتر أو القلق، ولكن ما يجب أن ننتبه له هو أن هذا الشعور في كثير من الأحيان لا يمت للحقيقة بصلة، بل ينبع من هشاشة نفسية أو احتياج غير واعٍ للتقدير الخارجي. وهنا تكمن المشكلة، لأن التمادي في هذا الاعتقاد يؤدي إلى سلوكيات دفاعية وتوتر دائم، أو حتى عزلة. فبعض الأشخاص يربطون نظرة الآخرين لهم بقيمتهم الذاتية، وهذا خطأ شائع، لأن تقييم الذات لا يجب أن يُبنى على ظنون وافتراضات لا دليل عليها.
فإذا أردت أن تعيش بسلام، فعليك أن تعرف قدرك دون مبالغة أو تقليل. فلا تضع نفسك في خانة المميز الذي لا يُنسى ولا في خانة المُراقب طوال الوقت. لأنك شخص عادي، لك قيمتك، ولكن ضمن حدود الواقع. فالناس مشغولون بأنفسهم وبهمومهم ومشاكلهم، وبتفاصيل يومهم التي لا تنتهي. فكما أن لك ما يشغلك، فلهم ما يشغلهم. ومن النادر أن يكرّس أحدهم وقتًا طويلًا للتفكير في شخص آخر، إلا إذا كان هذا الشخص قد أثّر عليه بشكل مباشر ومستمر، وهذا لا ينطبق على أغلب العلاقات العابرة أو المواقف اليومية.
فالمبالغة في تصور نظرة الآخرين لك قد تُثقل كاهلك وتدفعك لمراقبة تصرفاتك بتوتر دائم، بينما الحقيقة أنك لو تركت نفسك على سجيتها، لن يلاحظ أحد شيئًا. وهذا ليس لأنك غير مهم، بل لأن كل شخص يرى نفسه في عمق دائرة اهتمامه، تمامًا كما تفعل أنت. ولهذا السبب بالتحديد، فإن التحرر من فكرة مراقبة الناس لك يُعتبر خطوة كبيرة نحو النضج النفسي والاستقرار الداخلي.
وفي النهاية، حاول أن تتقبّل فكرة أنك عادي ليس تقليلاً من شأنك، بل هو اعتراف واقعي يحررك من عبء التوقعات الزائدة. فكن طبيعيًا، وافعل ما تراه صحيحًا، ولا ترهق نفسك بتخمين ما يفكر فيه الآخرون. ببساطة، عش حياتك.