BlogUncategorizedالطحالب دائماً أحلى في بحيرة الآخرين

الطحالب دائماً أحلى في بحيرة الآخرين

لطالما تساءل الفكر البشري عن السر الذي يدفع الإنسان إلى النظر في مقتنيات الآخرين بشعور يفيض منه الحسد والغيرة… أو مجرد رؤية أن له الأفضلية بما لديه، بينما يغفل عن الإشادة بما لديه من كنوز كامنة. إن هذه الظاهرة ليست سوى تجسيد لواقع نفسي عميق، حيث يتخذ الحسد مكانة في قلوبنا كعامل موجه لتقدير الذات والوجود.

فأكثر ما يُحير في طبع الإنسان إنه أحيانًا يرى ما يمتلكه الآخرون يظهر له في ثوب أكثر جاذبية وسحرًا، مقارنة بما يحوزه هو ذاته، وهذا الإغراء المترامي الأطراف ليس إلا مظهرًا للخلل النفسي الذي يراوغ النفس البشرية، مستغلاً ضعفها أمام أمواج المقارنة الدائمة. فكلما نأت عيننا عن النظر إلى ما نملك، زاد توهمنا بأن كنوز الآخرين تفوقها بكثير.

وبالطبع هذا الإحساس بالحسد ليس نابعًا من نقاء الطبع أو نزاهة الفكر، بل هو انعكاس لعدم الاستقرار الداخلي وحالة من التقدير السطحي للأشياء، فعيوننا، التي تتلصص على حياة الآخرين، تغفل عن عمق وجودنا وجماله الخفي حيث نغفل عن حقيقة أن المقارنات التي نجريها هي في كثير من الأحيان مجرد مرايا مضللة، تعكس لنا أضواءً زائفة تتناغم مع أفق التمني،

ويستمر الإنسان في مساره هذا، متشبثًا بأوهام التميز التي تبهره، متجاهلاً بُعدًا جوهريًا في التقدير الذاتي. فالرضا عما نملك عنصر أساسي لتحقيق سعادة حقيقية، وهو ما يتطلب إدراكًا عميقًا لخصوصية ما نمتلكه وقدرته على إضفاء معنى على حياتنا. فالإعجاب بما يمتلكه الآخرون لا يساوي إلا تضييعًا للوقت والجهد في مجالات لا تجلب لنا سوى الألم.

فمن الصعب أن نرى جمال الحياة في ما نملك إذا كنا مشغولين بمراقبة إنجازات الآخرين. فالحسد الذي ينشأ من هذه المقارنات مجرد سراب يؤثر سلبًا على تقديرنا الذاتي، ويغرقنا في دوامة من الطموحات غير المنتهية… فالتقدير الصادق لذاتنا وتقبل ما نملك من إمكانيات هو السبيل الأوحد للرضا الداخلي. وهو ما يجعلنا ندرك أن الحسن والجميل لا يُقاس بمدى تفوق الآخرين، بل بمدى قدرتنا على إدراك قيمتنا الجوهرية وتقدير ما نملك من مكاسب.

فعملية إدراك الجمال الحقيقي لا تأتي من خلال مقارنة ذاتنا بالآخرين، بل من خلال احتضان القيم الفريدة التي نمتلكها، كما أنني لا أعني بالتقدير الجمود أو التوقف عن الطموح؛ بل أعني أن نعيش بوعي في اللحظة الحالية، وأن نقدر الجمال الموجود في حياتنا الآن. فالتقدير الذاتي هو عملية مستمرة من النمو الشخصي، حيث نسمح لأنفسنا بأن نرى إنجازاتنا ونجاحاتنا بوضوح، دون الدخول في دوامة المقارنات التي لا تنتهي. فالاعتراف بأن كل ما لدينا من خصائص وإنجازات هو جزء لا يتجزأ من صورة حياتنا المثلى. فبدلاً من التعلق بما في حوزة الآخرين، يجب أن نحتفي بجمال ما نملك ونعيش بسلام معه، لأن التسليم بذلك هو السبيل إلى تحصيل السعادة الحقيقية والتقدير النزيه لذواتنا.

والتمتع بالحياة يتطلب من الفرد أن يكون حاضرًا في لحظاته، وأن يقدّر النعم التي لديه. لأن تقدير الذات لا يتطلب فقط القناعة بالمكان الذي نعيش فيه، بل يتطلب أيضًا الفهم العميق لقيمتنا وقدراتنا، وإدراك أننا، كما نحن، نستحق كل ما هو جميل. فعملية مقارنة الذات بالآخرين جزءًا من تجربة إنسانية شائعة، لكنها أيضًا مصدر رئيسي للتعاسة الداخلية. فالإنسان بطبعه ميال إلى التطلع إلى ما هو أبعد، وإلى ما يبدو أكثر إشراقًا.

 

watermark b66181f95f26b54fc85c28296574a335 0

 

مشاركة المقالة

https://tnawab.sa

الكاتب طارق محمود نواب