BlogUncategorizedالشخصية السيكوباتية

الشخصية السيكوباتية

السيكوباتي هو الوجه الأشد ظلامًا بين الشخصيات التي تسير بيننا، فهو ليس مجرد شخص يحمل صفات سلبية أو نزعات أنانية عابرة، بل هو تجسيد للشر المتقن والمتلون. فعندما نتحدث عن الشخصيات المؤذية، يتبادر إلى الذهن النرجسي باعتباره القطار الذي يحطم كل من يقف أمامه، إلا أن السيكوباتي يتجاوز ذلك بكثير، فهو الإعصار الذي يدمر كل شيء، من أمامه وخلفه ومن حوله. هذا الشخص لا يقتصر أذاه على من يعترض طريقه فحسب، بل يمتد ليشمل كل من يثق به أو يقترب منه.

فالسيكوباتي هو من يجد متعته الحقيقية في إيذاء الآخرين، وكأن لذة الأذى هي الهواء الذي يتنفسه والوقود الذي يشعل حياته. ودماؤه تجري فيها كرات من الحقد والغل، والكذب والخداع هو لغته الوحيدة.

وقد صدق الحديث النبوي الشريف حين قال: “شر الناس من يتقيه الناس اتقاءً لشره”، وهذا الحديث يختزل جوهر السيكوباتي. إنه ذاك الشخص الذي يحذر الناس بعضهم منه، فالسيكوباتي يعيش على إثارة الأزمات وتدمير الآخرين، لكنه لا يظهر دائمًا بنفس الصورة. فالسيكوباتية ليست قالبًا واحدًا، بل هي أشكال متعددة من الشر تتفاوت في حدة أذاها وأسلوبها.

فهناك منها النوع الصريح العدواني، ذلك الذي يظهر على حقيقته دون تزييف. يهاجم بلا رحمة ويُعلن حربه على الجميع. فهو شخص لا يخجل من شره، بل يجعله سلاحه الذي لا يتردد في استخدامه ضد كل من يقف أمامه. ولكن الأخطر من ذلك هو السيكوباتي المتلون الودود، ذلك الذي يقترب منك في أزماتك ويُظهر لك دعمه ومساندته حيث يقدم لك كتفًا تستند عليه وعندما تثق به، يغدر بك وهذا النوع يمتاز بخبث شديد، فهو يدرك تمامًا متى يضرب ليضمن أن أثر ضربته يكون مدمرًا. وهناك أيضًا السيكوباتي الذكي المتحايل، الذي يتقن جمع الأسرار والتسلل إلى حياة الآخرين بخبث شديد. هو ذاك الذي يستغل كل لحظة ليعرف عنك كل شيء، ثم يستخدم هذه المعلومات كسلاح يدمرك به في الوقت المناسب. إنه لا يضرب عشوائيًا، بل يخطط بدقة ويستغل ضعفك بحرفية لا متناهية.

وإذا أردنا مقارنة السيكوباتي بالنرجسي، فإن الفارق الجوهري يكمن في الدافع والأسلوب. النرجسي يعيش في دوامة من حب الذات، حيث يدمر الآخرين فقط ليُشبع غروره أو ليحقق مصلحته الشخصية. أما السيكوباتي، فالأذى عنده ليس وسيلة، بل غاية. إنه يستمتع برؤية الآخرين يعانون حيث يخطط لذلك ببرود ويحقق منه نشوة لا يمكن وصفها. أما النرجسي قد يكون مدمرًا، لكن السيكوباتي هو الخراب بحد ذاته فهو الشر المطلق الذي يتخفى خلف أقنعة مزيفة من الود والتعاطف.

والتعامل مع السيكوباتي يتطلب الحذر الشديد، لأن قربك منه يزيد من احتمالية أن تصبح ضحيته التالية. فالسيكوباتي يتغذى على الثقة التي تمنحها له، على كل سر تشاركه معه، وعلى كل لحظة ضعف يلاحظها فيك. فالابتعاد عنه هو الخيار الوحيد للحفاظ على نفسك، لأن محاولات مواجهته أو إصلاحه لن تؤدي إلا إلى مزيد من الضرر. وتذكر دائمًا أن شر الناس هو من يتقيه الناس لشره، والسيكوباتي هو التجسيد الحي لذلك. إنه ليس مجرد شخص يحمل صفات سلبية، بل هو آلة تدمير متقنة تخفي وراء وجهها البريء قناعًا من الشر المستطير. وكلما أدركنا حقيقته ووعينا بخطره، زادت قدرتنا على النجاة من براثنه.

IMG 20241130 WA0151(1)

 

مشاركة المقالة

https://tnawab.sa

الكاتب طارق محمود نواب