إبليس
في لحظة ما، صرخ إبليس بتفاخر مغرور: “أنا خيرٌ منه”، وهو يشير إلى الإنسان، ظناً منه أنه أفضل من بني البشر وغروراً بما هو عليه في لحظتها، ولكن ظهر إبليس مجدداً على بني البشر بشكل مختلف عما كان عليه حينها، فنرى اليوم كثيرون ممن يظنون أنفسهم أفضل وأعلى شأناً من مَن حولهم… يضعون ذاتهم في مكانة أكبر من الآخرين دون وجه حق، فهم في ذلك أَبَالِسَةٌ على هيئة بشر، يخربون حيات الاخرين ويعيثون فسادًا فيما حولهم، وينسون أن الفضيلة تكمن في التواضع والتعاون، وليس في التفاخر والغرور بالذات.
فعلى مر العصور الماضية، حمل البشر تلك الرغبة الطبيعية في التفوق والتميز، ولكن بدلاً من أن تكون محركاً للتقدم والإبداع، تحولت هذه الرغبة في بعض القلوب إلى مصدر للغرور والتعالي على الآخرين. فالتفكير في النفس بأنها خيرٌ من الآخرين، ما هو إلا ضيق للأفق ومحدودية في التفكير، كما إنه مثال على الغرور الذي يمكن أن يؤدي إلى الانعزال الاجتماعي والانكسار الروحي.
إن هذه الحالة من الغرور، بغض النظر عن دوافعها، تقف على زاوية لا يتسامح معها الإنسان المعاصر. فالواقع الذي نعيشه اليوم يشدد على قيم المساواة والاحترام المتبادل، ويبرز أهمية التضامن والتعاون على نحو يجسد وحدة البشرية.
الى جانب أن تصوير النفس بأنها خيرٌ من الآخرين يعكس بالضرورة استخفافاً بطبيعة الحياة البشرية وتنوعها، حيث إن التفاعلات الاجتماعية والنفسية تشكل بنية الجماعات وتعزز الانتماء الإيجابي. فالتواضع والاعتراف بأن كل إنسان له قيمته الخاصة ومساهمته الفريدة يمثلان مفاتيح لفهم أعمق وأكثر صحة للذات والعلاقات الاجتماعية.
إن رؤيتك لكونك أفضل من الآخرين ما هو إلا ذهاباً بلا عودة إلى دوامة من الفهم السطحي للذات والتقليل من قيمة التجارب التي يمكن أن تصنع الإنسان بما يحمله من تجارب وخبرات متنوعة. إذاً، ليس هناك أساس حقيقي لمثل هذا الاعتقاد سوى في عالم الأوهام الذي يبتعد عن الواقع المعقد الذي نعيشه.
ففي الواقع، كل إنسان له ما يميزه عن الآخرين، سواء كان ذلك في القدرات، أو الخبرات، أو اختلاف العقليات والشخصيات وكل هذه التنوعات تجعل كل فرد يسهم بطريقته الخاصة في الحياة والمجتمع. فعلى سبيل المثال بعض الأشخاص قد يبرزون بمهارات قيادية بارزة، في حين يتفوق آخرون في الإبداع الفني أو التفكير العلمي. وبمثل هذه الطرق، يعكس كل فرد قيمته ومساهمته الفريدة في النسيج الاجتماعي.
ومن زاوية أخرى، قد يكون البعض متفانين في العطاء والعناية بالآخرين، بينما يبرز آخرون بقدرتهم على التفكير الاستراتيجي وإدارة الموارد. وبالتأكيد هذا التنوع في المواهب والقدرات يسهم في تكامل وتنوع المجتمعات ويعزز الفهم المتبادل والتعايش السلمي بين الأفراد.
ولذلك، يمكننا القول بأنه ليس هناك أفضلية مطلقة لأحد على حساب آخر، بل ينبغي لنا أن نحترم التنوع والتفاوت في القدرات والمواهب بين الأفراد. فالتعامل بالاحترام والتواضع يساهم في بناء مجتمعات تسودها روح الانسجام والتضامن، حيث يتم قبول الفرد بما يحمله من خصائص فريدة دون التفاخر أو التعالي.
وفي النهاية، نحن جميعاً مساوين في جوهرنا، ونحن جميعاً متداخلون في نسيج الحياة البشرية. وإن التعامل بالتواضع والاحترام مع الآخرين يمثل الطريق الأكثر توازناً وحكمة، والذي يعزز من روح الانسجام والتعايش السلمي في مجتمعاتنا.